"أرجوحةُ يوسُف"/ قصة قصيرة للكاتب علي البدر / العراق ............

 "أرجوحةُ يوسُف"

قصة قصيرة علي البدر Ali Albadr
يتقدم نحوي بهدوء وكأنه يعلم أنني أغفو في حلم جميل، وفي حركة انسيابية تتباطأ مرة وتسرع أخرى لمجرد حركة مني أو أحياناً يبادر هو ويسحبني للأمام قليلاً ثم يقفز وسط حضني ليسارع في تساؤلاته التي لا تنتهي، عن النجوم والحمام البري الذي يعشعش فوق السطح. ولم ينس يوماً موعده معي فقد أدمن على حضني يتقلب وسطه محاولاً النوم لكنه أحياناً لا يستطيع فينهض وهو في شبه غيبوبة ليلتصق بصدري ورأسه على كتفي فأشعر أن قلبه ينبض في جسدي ودمه يجري في شراييني.
لحظات حميمة لا أدري كيف تمر. أيعقل وأنا في هذا العمر أن أحتاج حنانه؟ أجل لأدع كبريائي وأقول انا بحاجة اليه وها أنا امسك كفه الصغير واقبل راحة يده. وربما كان الوحيد الذي له الحرية ان يعبث بأوراقي ويفتح ما يشاء من القواميس ويضع خده عليها بدلاً من الوسادة ويتصفح كتبي ويختار ما يحلو له منها ليمضي لحظات في التركيز بأعماقها ويتمعن في الملاحظات والهوامش حول الصفحات أو يأخذ قلماً وورقة بيضاء ويتسمر لأكثر من ساعة على كرسيه ويضع بعدها خده على ورقته ويغفو تعباً.
يا الهي انه الآن بأوج نشاطه ولم أدر كيف مضت اللحظات الصعبة عندما انقطعت أنفاسه وجاهد لإدخالها في صدره حيث ازرق وجهه وبات عاجزاً عن التشبث بالحياة..
حملته وهو يتلوى. وضعت كفه الصغير على وجهي ليعبث بنظارتي ويسحبها اليه كعادته، لكن عالماً اخر بدا ينتظره فصرخت وأنا في أعمق حالات ضعفي. يا الهي، دعه يلتصق بصدري ولا تأخذه اليك الآن فأنا بحاجة اليه. ألم أتوسل بك في صلاتي أن تأخذني قبله ؟
ولم تمض الا لحظات لأشعر أن نبضات قلبي تسري في شرايينه، حرك رأسه وأمال بخده ليلتصق بخدي وأراد الكلام فلم يستطع حيث راحت أصابعه تبحث عن وجهي مارة بصدري فازداد تفاؤلي وبدأ الأمل يسري في أعماقي، عندما وخزتني أظافره ولمست أصابعه وجهي ليمسكها برفق ويرفعها ويلوي رقبته نحوي فارتسمت على شفتيه ابتسامة.
وضع رأسه على كتفي وتداخلت دقات قلبينا وأنا أهزه برفق وكانت السماء تصدح بصوت "ألله أكبر". فتحتُ عيني وتلمستُ صدري باحثاً عنه لكنني لم أجده. نهضت مرعوبًا. تلمست صدري ثانية. "يوسُف". أين أنت يا "يوسُف"؟ يا إلهي أهو حلم أم حقيقة؟
وقفت متسمرا وبدت أرجوحته كهيكل بلا حياة. لابد أن يكون هنا. أجل. إنه هنا بذات الابتسامة التي تعيد لي الحياة. لأدفعها برفق. حركة انسيابية تدخل الاطمئنان والأمان في أعماقي وها أنا أهزها وأعيد تلك القصص عليه ريثما يغفو وينام. ولا أدري كم بقيَ من عمري، وكم دارت الأرضُ حول الشمس، وتسلل الليل إلى النهار. المهم. أن تبقى "أرجوحةُ يوسُف" تهتزُّ وتهتزُّ وتهتز....
علي البدر Ali Albadr
قد تكون صورة ‏‏‏شخص واحد‏، و‏طفل‏‏ و‏نص‏‏
كل التفاعلات:
أنت وشخص آخر
أعجبني
تعليق
إرسال
مشاركة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لاتبخل بالهوى...فالقلب يختنـــقُ / نص ادبي للشاعر يمان الخيام / لبنان .............

في هواك مجندة / نص ادبي للشاعرة مارينا أراكيليان أرابيان/ العراق ..........

بين وبين / سرد تعبيري للكاتبة المسعودي فتيحة / المغرب....................