مسرحية " الطرطور" صراع ما بين العقل والجنون "وما بين الواقع والخيال للكاتبسعد يونس حسين/ مقال محرر صحيفة فنون الثقافية الناقد والاستاذ قاسم ماضي/ ديترويت/ امريكا
مسرحية " الطرطور" صراع ما بين العقل والجنون "وما بين الواقع والخيال للكاتب "سعد يونس حسين "
وقع بين يدًي النص المسرحي الذي يحمل العنوان المسرحية الكوميدية " الطرطور" وهو صراع ما بين العقل والجنون ، وما بين الواقع والخيال " للكاتب العراقي " سعد يونس حسين " ويقع الكتاب في 47 صفحة من القطع المتوسط ،وعن دار نشر " آراء للطباعة " بغداد .
" أنا العبقري أنا الحكيم أنا المجنون أنا العاقل "ص47
" والدلالة هي لغة ما جعلته للدليل أو الدلال ، إما في الاصطلاح فهي حصيلة مضمون الوحدات اللغوية ، المكونة للنص ، فالنص الذي هو شبكة من العناصر اللغوية المرتبطة بعلاقات متشابكة يصفها الناقد بأنها وسيلة المبدع في إنتاج الدلالة " .
فجاء نصه " الطرطور " الذي كتبه عبر خارطة فكرية منسجمة مع واقع يلامس ما يمر به الإنسان هذه الأيام ، وتأتي صيحة شخصية البطل على الزوج الذي يمثل عامة الناس ،لهي دلالة واضحة عن الخنوع السائد وعدم الوقوف بوجه الظلم والقوة المفرطة التي تديرها مؤسسات الدولة ويقودها الجهلة في رسم سياسات الدولة .
" المجنون : إن سبب مشاكلك إنك طرطور " ص 46
والشيء الظريف في النص هو الأثارة المتعمدة لعالم الجنون المفتعل الذي أراد منه أن يكون هؤلاء " الخمسة أو الأربعة " تعيش معنا ، ربما موجودة في حياته أو غير موجودة ،ونلاحظ الاهتمام الملحوظ بالموسيقى عبر استثمار موسيقى المفردة لخدمة النسق الموسيقي العام ، مما منح المؤلف في نصه الدلالة النصية أثرين أحدهما يتحرك على مستوى العاطفة والآخر يتحرك على مستوى الإفهام .
" مجنون أفضل من الطرطور " ص47
لكي يقول للقارئ هذه رسالة تحرك ما يدور في عالمنا العربي من ارهاصات سلبية تعطل الإدراك المعرفي لدى البعض أو نستطيع القول انها رسالة سامية فيها عمق تجربته الحياتية التي إنبرى بها ووظفّها في نصه المسرحي .كما انه مترجم وإطلع على الكثير من الكتابات الأجنبية ودرس اللغة الانكليزية لأكثر من عشرين سنة ، وهو عضو جمعية المترجمين العراقية والعربية ، صب جام غضبه في هذا النص الذي دعا من خلاله وعبر بيت من بيوتنا إلى الدخول في عالم الفلسفة والرأي المستقل والدفاع عن الحريات .
" لقد أخترت أحسن المجانين عندي ، وهو ليس عدائي ، وهو يحمل شيئا من الفلسفة والحكمة وأقصد انه مثقف لكن مجنون مجنون " ص9
أراد منها المؤلف إيصال رسالة إنسانية إلى ما يحدث في عالمنا الحالي الذي نعيشه هذه الأيام ، من تراكمات نفسية نتيجة الظروف الصعبة التي نمر بها عبر ما يدور حولنا من مشاكل واحداث تأخذنا إلى عوالم أخرى، فكانت المسرحية مكونة من عدة فصول ومشاهد ،فجاء الإهداء في اول الصفحات
" إلى أمي " ص1
وهنا نتساءل لماذا إلى امي ، وهل أراد الكاتب أن يجعلك تفكر بعبق التاريخ أم ماذا ؟ وهل يقصد بها الوطن أم هي تدعو الى مغزى آخر؟ كل هذه الاسئلة وضعها في بداية الكتاب أو نصه المسرحي .
فيبدو أن المؤلف أراد ان يظهر لنا ومن خلال نصه " الطرطور" هذا ، وشخوصه المتعددة ومنها " صديق الزوج + الخادم + صديقة الزوجة " مفهوم الخوف في تجلياته المختلفة في والانجرار وراء الخذلان ،حتى إنني ظللت أفكر بهذا الاهداء الفلسفي ، لكون الأم هي التي تمثل جذورنا التاريخية وما تحمله من قيم وحنية لهذه الأجيال المتعاقبة .
قائلا لنا " نلاحظ بعض أحداثها بيننا أومن الخيال أي لا وجود لها الشخصيات " ص2
فعمل على تقسيم فصوله إلى مشاهد، فكان المشهد الأول الذي هو عبارة عن بيت فيه صالة استقبال تحتوي على مقاعد للجلوس مع طاولات صغيرة ومنضدة عليها باقة من الورد وجدار معلقة عليه صورة لأحد الفنانين العالميين وشرفة عليها ستارة وفي الجانب منضدة طعام حولها مجموعة من الكراسي وفي الجانب منضدة طعام حولها مجموعة من الكراسي ، وفي الزاوية سلة فيها هاتف " هذا الوصف للمشهد كي يقول لنا أنه بيت من البيوت ،وشخوص هذا البيت هم المحرك الأساسي لهذا النص المسرحي متمثلة بالزوجة + الزوجة " حيث الزوجة وفي بداية هذا النص تنادي على زوجها واصفاً أياها بأنها جميلة وصغيرة السن " وكذلك واضعا الزوج بحالة مغايرة من حيث طريقة المشي وتعب السنين كدلالة على العجز الإنساني الذي يملكه البطل والتعبير عن حالة الخوف ، ويبدو أشيب الشعر بعمر يضاعف عمر زوجته ، وهو يسخر من الثقافة والمثقفين .
" الزوج : مثقف هه مثقف " بتهكم " ص 9
ومن هنا يبدو لنا الصراع الحاصل بين الزوج والزوجة وهو فارق العمر بينهما فأراد إظهار عجز شخصية الزوج امام زوجته مما يضطر إلى الاستماع إليها بحجة الحب مرددة الحوار التالي .
" أريد أن لا نأخذ السيارة ، دعني نمشي لنغير حالة الرتابة المملة والروتين " ص4
ويأتي المشهد الثاني من الفصل الأول ، الذي حاول المؤلف أن ينتقل من البيت إلى السوق ، كي يظهر لنا الحياة خارج البيت عبر سوق فيه مجموعة من المحلات مثل الحرفيين وباعة الكاربت والإكسسوارات والحلاق .
مما يؤكد حركة المجتمع الذي نعيشه وهي حركة خاملة منشغلة بظروف الحياة لجميع شخوص العمل الا من المجنون ، حتى يبين لنا ان هذه الشخوص الخمسة أو الأربعة بإعمار مختلفة ليس لديهم مأوى وهم مصابون بالجنون .
" مجانين للإيجار ، إكسبوا الثواب ، أين الذين لديهم رحمة ، مجانين للإيجار ، بصوت يشبه باعة المزادات " ص6
وفجاءت الفصول الأربعة وهي عبارة عن ثمانية مشاهد هي بمثابة درس معرفي للقيم الإنسانية التي يجب ان يسير عليها المجتمع ، عبر شخصية " المجنون" التي اختارته الزوجة ليقيم معها ويصبح ضيفها إلى مدة انتهاء العقد المبرم بين البائع والمشتري .
" لقد أخذت هؤلاء بمزايدة أجرتها مستشفى المجانين في بلدتنا وهي ظالمة مع الكل حتى مع هؤلاء المرضى " ص8
هذه الاسقاطات كلها جعلت المؤلف " سعد يونس حسين " ليقول كلمته ليس في نصه هذا بل في عدة نصوصه من آجل رسم معادلة تهييّء الوضع العام لهذا الكائن الذي خلقه الله سبحانه وتعالى حرا طليقا ًيمتلك القيم العليا ويسير نحو العدالة وانصاف الحق .
" إنه يخاطب الخطأ في كل مكان يوجد في المجتمع " ص40 ، بقي أن نذكر ان المؤلف حاصل على بكلوريوس في آداب اللغة الانجليزية والاول على دفعته ، عمل في التدريس لمدة 20 عاما ،وهوعضوجمعية المترجمين العراقيين والعرب ، وكتب للاذاعة وللمسرح ،إشترك في ورش وندوات تهتم في مختلف صنوفالترجمة والأدب ، وله عدة مؤلفات قيد الطباعة .
قاسم ماضي- ديترويت
تعليقات
إرسال تعليق