أميرة تستيقظ من غفوتها / مقال الكاتبة منى بولس / لبنان ............
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
"سهى" منى بولس: أميرة تستيقظ من غفوتها
بدأَت من النّهاية لتدفع بنا، مع غدي، إلى الغوص في البداية واستحضار الماضي، معالجة مشاكل اجتماعيّة قلّما تجرّأ قلم على الخوض بها أو ذكرها، بسلاسة الحرف الطّيّع لأنامل رشيقة. فإن نظمَت شعرًا رفع الشّعرُ القبّعة، وإن خطّت نثرًا تباهت الحروف واتّسعت لتكتسح مساحات من الورق، برومانسيّة خلّابة، وحبكة متمكّنة، وأبواب تفتح على المخارج الموفّقة، فتأسرك وتستحوذ على أنفاسك ونظراتك، ما يجعلك رهن معتقل الكلمة التي تغني وتثير شهيّتك إلى القراءة فالقراءة فالقراءة...
هذه هي منى رفيق بولس التي تليق بها كلّ الألقاب: فالمربّية والمفتّشة التّربويّة، نهلت من العلم والثّقافة، ومن بيت مشبع بروح الأدب والشّعر، فسرى داء الكتابة في دمها، وتدفّقت كلمات تعبّر عن مدى رِفعة ذوق شاعرة وأديبة وروائيّة وعن قدرتها الإبداعيّة.
"سهى" التي نامت أميرة حسناء في قصر الأمومة والمسؤوليّة التّربويّة خمسة وعشرين عامًا، استفاقت من غفوتها، وارتدت حلّة بنفسجيّة، وانطلقت تنشر عبق أفكارها ومبادئها التي تشبّعت منها بفعل عوامل التّربية المتمثّلة بالصّراحة والوضوح والأخلاق.
"سهى" رواية تطرح فيها الكاتبة مشاكل يعاني منها مجتمعنا وتنخر عظامه حتّى تكاد تتلفها، منها ما تشير إليها بمرور عابر لكنّه مؤثّر على نحو التّخطيط لريف نموذجيّ ومدن نموذجيّة، ومنها ما تعرضها بقالب فكاهيّ كعمليّة تجميل الأنف التي تناولتها بصورة كاريكاتوريّة، جعلت البطلة الصّحافيّة ترسم تجربتها هذه في قالب ساخر استهوى القرّاء.
هذه الصّحافيّة التي أرادت الشّهرة أوّلًا، وجدت نفسها أسيرة مجتمعها. وما لبثت أن تحوّلت من ساعية إلى تحقيق النّجاح المهنيّ إلى مناضلة في سبيل عالم آخر مثال، مؤمنة بتعاليم أمّها التي زوّدتها بها مؤونة ثمينة في الكتابة قوامها الإيمان والمحبّة، ذلك أنّ الشّهرة قد تحمل المرء على بيع قناعاته. وبهذين السّلاحين دافعت عن هموم النّاس ومشاكلهم، فبرزت مشكلة المرأة التي ظلمتها الحياة، فتصرّفت بدافع من عاطفتها تصرّفًا لاعقلانيًّا، كانت نتيجته السّجن والمحاكمة من عدالة بلا قلب، يملأها إيمان بأنّه سيأتي يوم "يصبح معه القانون عدالة قلب وعقل".
ولمّا كان الحبّ إكسير الحياة و"استمرار وجودنا في قلب الخالق"، نهلت منه الرّوائيّة وروت ظمأ معظم شخصيّات خيالها. فإذا به العامل الأساسيّ الذي يحكم العلاقات بين مختلف الأطراف، ليضفي جوًّا من الصّفاء على صفحات الكتاب، حيث لا غدر ولا خيانة ولا كراهية، إنّما عاطفة إنسانيّة سامية تربط مختلف الأطراف بعضهم ببعض. هذا الحبّ الذي يجمع العائلة الواحدة والعائلات في المجتمع، ويوطّد أواصر الصّداقات الفرديّة والعلاقات المهنيّة، بلغ أوجه مع الحبّ الذي يوحّد الرّجل بالمرأة مع سهى ووسيم، ليعالج مشكلة قد يرفضها الكثيرون ممّن حجّرت أفكارهم التّقاليد المتخلّفة وفَهم الدّين بمعزل عن التّطوّر الذي ألمّ بالمجتمعات، في حين أنّ الدّين انفتاح وسعي دائم من أجل بلوغ الكمال الإنسانيّ والسّلام الدّاخليّ والخارجيّ. وقد تمثّلت هذه المشكلة في التّطرّق إلى موضوع المؤسّسات التي تؤمّن السّعادة والاستقرار للزّوجين اللذين حرم أحدهما نعمة الإنجاب، فتقدّم لهما بديلًا ليولد طفل ثمرة أحدهما.
لقد استطاعت ثمرة هذه المشكلة أن تكون المفتاح الذي أسال حبر قلم منى بولس في سلاسة عهدناها في كتاباتها، لتغطّي مساحات واسعة من الأوراق، لم أستطع وأنا أبلغ الكلمة الأخيرة منها إلّا أن أصحو من رحلتي مع شخصيّاتها على صوتي يهتف: "كتير حلوه".
ابتسام غنيمه
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
تعليقات
إرسال تعليق