قصة قصيرة / التلميذ/ للكاتب ثائر البياتي / العراق ................
التلميذ..
اربكني تصرفه، فأردت التراجع خطوة أو خطوتين، حين استقبلته في الممر، لكن براءته وعفويته استحوذتا على كل مشاعري، فقبلت جبينه ومسحت بكفي على رأسه. أثار تصرفه فضولي، فقد رأيته يقوم بهذه الحركات مع كل المعلمات والمعلمين، ومع كل زملاءه التلاميذ، في ممرات المدرسة وساحتها الكبيرة، كان بشوشا لطيفا مرحا وحنونا جدا، لم أجروء على البوح أو سؤال أحد عن تصرفه المميز هذا، إلا إن أحدى المعلمات امتعضت و أزعجتها حركاته هذه، فاشتكته للمديرة وقامت المديرة بطلبي، طارحة شكوى المعلمة علي، لأنني الباحث الاجتماعي في المدرسة، فأخبرتها بأنه تصرف معي ومع الجميع بنفس التصرف، فأيدتني لأنه تصرف معها هي أيضا هكذا، لكنها ظنت إنه خصها به دون غيرها، لإنها استقبلته بحنانها وطيبتها المعهودتين مع كل التلاميذ، ورأت أن نستدعي ولي أمره لنعرف هل يتصرف هكذا في البيت أيضا أم لا؟، ولم هو دائم الحركة نفسها؟، في البداية طلبت منها أن نتريث، عسى أن نكتشف الأمر ونعالجه، إن كان يتطلب التدخل والمعالجة بدلا من أن نتسبب بقلق ذويه، لكني بصراحة لم أكتشف الأمر. حين دخلت أمه ممسكة بيد أبيه والقلق باد على وجهيهما؛ بادرت بطمأنتهما، وأخبرتهما بأنه بخير وإن مستواه الدراسي جيد، ولا حاجة للقلق، وما أن دخل الغرفة ببراءته وعفويته وابتسامته الساحرة؛ ارتمى بحضن أبيه، يتلمس شعره ويمر باصابعه الصغيرة الرقيقة على تفاصيل وجهه، مقبلا إياه بحنان عميق، فبادله أبوه الضرير نفس الحركات واحتضنه وشمه، وقبله على رأسه وجبينه وخديه، عندها سالت دموعنا نحن الأربعة، أنا وأمه والمعلمة والمديرة، فقد تعلم الصغير أن يستقبل الآخرين باللمس، كما يفعل أبوه الذي يرى بدلا عن عينيه الضريرة بلمس وجه الآخرين، ليتعرف على وجههم !!!…
*****
مستوحات من رواية متداولة.
تعليقات
إرسال تعليق